الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أصول في التفسير **
لكتابة القرآن وجمعه ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان الاعتماد في هذه المرحلة على الحفظ أكثر من الاعتماد على الكتابة، لقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وقلة الكاتبين ووسائل الكتابة، ولذلك لم يجمع في مصحف بل كان من سمع آية حفظها، أو كتبها فيما تيسر له من عسب النخل، ورقاع الجلود، ولخاف الحجارة، وكسر الأكتاف وكان القراء عددًا كبيرًا. ففي " صحيح البخاري "[ أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب العون بالمدد حديث رقم (3064). ] عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن البني ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث سبعين رجلا يقال لهم: القراءة، فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر معونة فقتلوهم، وفي الصحابة غيرهم كثير كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي خليفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء ـ رضي الله عنهم ـ. المرحلة الثانية: في عهد أبي بكر رضي الله عنه في السنة الثانية عشرة من الهجرة. وسببه أنه قتل في وقعة اليمامة عدد كبير من القراء منهم، سالم مولى أبي حذيفة، أحد من أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأخذ القرآن منهم. فأمر أبو بكر رضي الله عنه بجمعه لئلا يضيع، ففي صحيح البخاري" [أخرجه البخاري كتاب التفسير باب قوله: وقد وافق المسلمون أبا بكر على ذلك وعدوه من حسناته، حتى قال على رضي الله عنه: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمه الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله. المرحلة الثالثة: في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في السنة الخامسة والعشرين، وسببه اختلاف الناس في القراءة بحسب اختلاف الصحف التي في أيدي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فخيفت الفتنة، فأمر عثمان رضي الله عنه أن تجمع هذه الصحف في مصحف واحد؛ لئلا يختلف الناس، فيتنازعوا في كتاب الله تعالى ويتفرقوا. ففي " صحيح البخاري " [أخرجه البخاري كتاب فضاءل القرءان باب جمع القرءان حديث رقم (4987). ] أن حذيفة بن اليمان قد على عثمان من فتح أرمينية وأذربيجان، وقد أفزعه اختلافهم في القراءة، فقال: أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة، ففعلت، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وكان زيد بن ثابت أنصاريا والثلاثة قرشييت - وقال عثمان للرهط الثلاثة القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. وقد فعل عثمان رضي الله عنه هذا بعد أن استشار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما روي أبن أبي داود [ أخرجه الخطيب في كتاب فضائل القرءان للوصل المدرج 2 / 954؛ وفي الإسناد المحفوظ (محمد بن أبان الجعفلي ) علل الدار قطني 3 /229 - 230، قال ابن معين (ضعيف9 الجرح والتعديل للرازي 7 /200 أخرجه أبي داود في كتاب المصاحف صـ 22 أخرجه أبي داود في كتاب المصاحف صـ 12. ] عن على رضي الله عنه أنه قال: والله ما فعل في المصاحف إلا عن ملاء منا، قال: أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا، فنعم ما رأيت. وقال مصعب بن سعد: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد، وهو من حسنان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه التي وافقه المسلمون عليها، وكانت مكملة لجمع خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبي بكر رضي الله عنه. والفرق بين جمعه وجمع أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أن الغرض من جمعه في عهد أبي بكر الله عنه تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف، حتى لا يضيع منه شيء دون أن يحمل الناس على الاجتماع على مصحف واحد؛ وذلك أنه لم يظهر أثر لاختلاف قراءاتهم يدعو إلى حملهم على الاجتماع على مصحف واحد. وأم الغرض من جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه فهو تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف واحد، يحمل الناس على الاجتماع عليه لظهور الأثر المخيف باختلاف القراءات. وقد ظهرت نتائج هذا الجمع حيث حصلت به المصلحة العظمى للمسلمين من اجتماع الأمة، واتفاق الكلمة، وحلول الألفة، واندفعت به مفسدة كبرى من تفرق الأمة، واختلاف الكلمة، تفشو البغضاء، والعداوة. وقد بقي على ما كان عليه حتى الآن متفقا عليه بين المسلمين متواترا بينهم، يتلقاه الصغير عن الكبير، لم تعبث به أيدي المفسدين، ولم تطمسه أهواء الزائغين. فلله الحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين.
|